الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، فيصوّر الإسلام في وسائل الإعلام المعادية بالدين الذي لا يعرف الرحمة، والمتعطش للدماء، والذي لا يعرف التسامح ولا يقبل التعايش مع الآخر ويسعى لإجباره على الدخول في الإسلام بحد السيف وإلا فإن مصيره هو القتل أو الطرد والإبعاد . هذه الصورة النمطية الشائعة عن الإسلام قد أساءت كثيرا لصورته عند غير العارفين به - وهم أكثر أهل الأرض – وشكلت حاجزا صلبا وجدارا عاليا يصد الناس عن التعرف على الإسلام والإيمان به أو على أقل تقدير عدم إساءة فهمه والإفتراء عليه وعلى أهله. هذه الصورة النمطية تعززت بشكل كبير من خلال ممارسات جماعات الغلو والتطرف والإرهــــاب التي تمــارس القتـل والتفجير والتـدمير باسـم الإســـلام .
ولكن المتفحص لتعاليم الإسلام السمحة يجد النقيض تماما لكل ذلك، يجد دينا سمحا يؤمن بحق الإنسان في الحياة وفق المعتقد الذي يختاره لنفسه ولا يجوز إكراه أحد على الإيمان بالله كما قال تعالى " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " وقال " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا * أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ "، ودعا إلى الحوار كما قال تعالى "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ* فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "، وأكّد على الوحدة الإنسانية بالمساواة بين أجناس البشر وشعوبهم وقبائلهم وأنهم أبناء أب واحد وأم واحدة وهما آدم وحواء عليهما السلام كما قال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ، كما أكّد على الكرامة الإنسانية للبشر بقوله تعالى " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " ، كما دعا الى التعاون على الخير فقال سبحانه " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ، كما دعا إلى العدل مع الجميع محذرا من أن يحمل البغض لأحد على عدم العدل معه فقال سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ونهى عن العدوان والأذى للناس بعمومهم كما قال صلى الله عليه وسلّم :ألا أُخبركم بالمؤمن: مَن أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلِم الناس من لسانه ويده ، وقال: ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة ، وقال : من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ، ودعا إلى الإحسان إلى غير الحربيين فقال سبحانه " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " وقد امتثل الصحابة الكرام تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الجار ، كما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : ذُبِحتْ شاة لابن عمرو في أهله ، فقال : أهديتم لجارنا اليهوديّ ؟، قالوا : لا ، قال : ابعثوا إليه منها ، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورِّثه  ، وكان هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي في التعامل مع غير المسلمين فعندما أسس الدولة الإسلامية في المدينة النبوية كتب كتابا نظم فيه العلاقات بين جميع مكونات المجتمع المدني وكان فيه المسلم والمشرك واليهودي والمنافق ، قال ابن إسحاق: (وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم ). نعم ، لقد شهد التاريخ أن معاملة المسلمين لغير المسلمين في البلدان التي فتحوها كانت مثالا رائعا للتعايش والتسامح مما دعا الكثيرين منهم للدخول في دين الله أفواجا . 
إن التعايش هو سلوك حضاري تلتقي فيه إرادة أتباع الديانات والحضارات المختلفة على العمل سويّا من أجل أن يسود الأمن والسلام والرخاء الجميع مبتعدين عن جميع السلوكيات الضارة بمباديء التعايش السلمي ، وهنا ننبه أنّ التعايش لا يعني أن يتنازل طرف عن شيء من مبادئه إرضاء للطرف الآخر ، ولا يعني الإخلال بمبدأ الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين ، ولا يعني المودة والمحبة    القلبية ، ولا يعني ترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه كلها واجبات لا يسع المسلم تركها أو التنازل عنها أو التهاون فيها ، فلا إفراط ولا تفريط ، فلا إفراط في مسألة التعايش حتى تضحى مبدأ لإرضاء الجميع على حساب الإلتزام بالدين ، ولا تفريط في مسألة التعايش حتى يكون التعامل قائما على الغلظة والعداء والجفاء والنفرة والإساءة وترك الإحسان ، فبالرغم أنّ الإسلام يعلي رابطة الدّين على كل رابطة سواها ، إلا أنّه لا ينفي الروابط الأخرى التي تشكّل قاعدة للحياة المشتركة بين المسلمين وغيرهم كالرابطة الإنسانية والرابطة القومية والرابطة الوطنية وغيرها من الروابط البشرية.
وفي هذا الصدد وبمناسبة تدشين كرسي الملك حمد بن عيسى آل خليفة - حفظه الله ورعاه – للحوار بين الأديان في جامعة سابيانزا الإيطالية العريقة في روما ، يسرنا أن نؤيد هذه الخطوة التي تصب في تعزيز الحوار بين الأديان بما يرسخ قيم الإسلام الخالدة في التعايش والتسامح ونشر السلام والأمن في العالم أجمع ، ولإبراز الوجه الحقيقي للإسلام بما يدحض كل الأكاذيب التي تنسج حوله لتشويهه وتنفير الناس منه ، وإننا لنتطلع إلى قيام جمعيتنا المباركة " إكتشف الإسلام " بدور فاعل في المشاركة في هذا الكرسي لتحقيق أهدافه النبيلة مستفيدين من حصيلة الخبرة الطويلة في مجال التعريف بالإسلام والحوار بين الأديان وتعزيز التعايش والسلام في العالم بأسره . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .